رحلة في الذاكرة| «مختار التتش» صاحب الموقف التاريخي
ولد مختار التتش
في 29 سبتمبر 1905، بالسيدة زينب بالقاهرة، شارك وهو في الثامنة عشر من عمره مع فريق
مدرسة محمد على الإبتدائية، وكان أصغر لاعبيها جسمانيًا وسنًا، ولكنه كان أكثرهم مهارة، وإنتقل
بعدها إلى مدرسة السعيدية، وبعد أن أنهى دراسته الثانوية ألتحق بكلية الحقوق وحصل على
البكالوريا.
اكتشفه النادي
الأهلي وضمه إلى فريقه الأول في عام 1922، وكانت أولى مبارياته مع الأهلي ضد فريق
الطيران الإنجليزى في كأس السلطانية، وفاز فيها الأهلى بهدفين مقابل هدف، أحرز التتش
فيها هدف الفوز.
سر لقب «التتش»
يرجع لقب مختار
بـ "التتش"، إلى اللورد لويد، المندوب السامى البريطاني في مصر آنذاك، وكلمة التتش تطلق على: لاعب السيرك الصغير الحجم السريع الحركة الذي يبهر المشاهدين بحركاته وقفزاته ومرونته.
كان اللورد لويد
لاعب كرة قدم قديمًا؛ ولذلك كان يحرص على متابعة مباريات كرة القدم في مصر، وعندما شاهد
مختار يلعب أعجب به إعجابًا شديدًا، حتى أنه كان يخبر جلسائه بأن تحكم قدم التتش بالكرة
أفضل من تحكم يدى اللورد بالبرتقالة، وكان كلما يقابله يبادره بقوله «هاللو تتش».
تاريخ وإنجازات مختار التتش
تولى مختار التتش
قيادة منتخب مصر والنادي الأهلي طوال 17 عامًا، وشارك في ثلاث دورات أوليمبية، الأولى
دورة الألعاب الأوليمبية الثامنة بباريس 1924، ومن الجدير بالذكر أن توقيت هذه الدورة
كان يواكب توقيت موعد إمتحان شهادة الكفاءة في مصر، فكان على مختار إما التضحية بالشهادة
أو بالسفر وقيادة منتخب مصر، فإختار مختار التتش السفر مع الفريق، ولكن والده رفض خوفًا
على مستقبله، ووصل الأمر إلى رئيس مجلس الوزراء الزعيم سعد زغلول باشا، الذي أصدر قرارًا
بمشاركة محمود التتش مع الفريق، على أن يتم إرسال أوراق الإمتحان إلى المفوضية المصرية؛ لكى يؤدى الإمتحان هناك.
كما شارك مختار
التتش في دورة الألعاب الأوليمبية التاسعة بأمستردام عام 1928، وكانت من أروع مبارياته
التي لعبها في هذه الدورة مبارة مصر والبرتغال، والتي فازت بها مصر بهدفين مقابل هدف، وأحرز الهدفين مختار التتش، وقد أشادت به صحف أوروبا، وأجمعت على أنه أحسن ساعد أيسر
في العالم، وتم إختياره ضمن منتخب العالم الذي لعب بعد الدورة مع منتخب أوروبا.
كما شارك مختار
في دورة الألعاب الأوليمبية الحادية عشر ببرلين عام 1936، واختير ضمن أحسن 12 لاعبًا
في العالم.
ويعتبر أكثر اللاعبين
مشاركة في تاريخ نهائي كأس مصر بواقع 11 نهائي و14 مباراة، حيث أعيد نهائي 1924
و1925 و1926 بعد التعادل في أول مباراة.
الموقف التاريخي الذي يظل عالقًا في قلوب وعقول محبي النادي الأهلي
بدأت قصة الحرب بين النادي الأهلي وإسرائيل منذ الاربعينات وتحديدًا فى عام 1943 ، حيث تلقى الأهلى طلبًا من بعض القادة في فلسطين المحتلة، أن يسافر الفريق إلى فلسطين ليلعب مباراة هناك؛ دعمًا للشعب الفلسطينى وتشجيعًا لثورته ضد الانجليز والعصابات اليهودية، فوافقت إدارة النادي الأهلى على الفور واستعدت للسفر، إلا أن الاحتلال الانجليزى الذى أدرك مدى شعبية النادي الاهلى، طلب من حيدر باشا وزير الحربية ورئيس إتحاد الكرة ونادى المختلط "الزمالك حينذاك" التدخل لإثناء الأهلى عن موقفه في السفر.
وبالفعل إستدعى حيدر مختار التتش كابتن النادي الأهلى، وطلب منه عدم سفر الفريق إلى فلسطين، فما كان من كابتن الأهلى إلا أن رد عليه "سنسافر يا باشا دعمًا لإخواننا فى فلسطين".
وغضب حيدر بشدة وهدده قائلًا: لو سافر فريق النادي الأهلي، سأصدر قرارًا بإيقاف الفريق.
لم تؤثر هذه التهديدات على الأهلى، ولم تفلح محاولات حيدر لمنعه من السفر، والتى وصلت الى سحب جوازات سفر اللاعبين، حيث قامت إدارة النادي الأهلى بمساعدة فؤاد سراج الدين وزير الداخلية آنذاك، بإستخراج جوازات سفر جديدة للاعبين، وسافر فريق الأهلى تحت مسمى "شباب القاهرة "، واستقبلوا فى فلسطين استقبال الأبطال ،فزادت ضربات الثوار وتفجيراتهم ضد الانجليز ورجال العصابات اليهودية.
ولعب النادي الأهلي 5 مباريات فى رحلة استمرت 23 يومًا، كان رجال الثورة الفلسطينية يرفعون لاعبى الاهلي على الأعناق مقدرين لهم ما فعلوا دعمًا للثورة الفلسطينية، وهو الأمر الذى أجج مشاعر الغضب والكراهية لدى الصهاينة والانجليز ضد النادى الاهلي، فأوصى الانجليز إلى حيدر باشا لعقاب الأهلى إرضاءًا لليهود، وهو ما تم بالفعل وأصدر حيدر قراره الشهير بإيقاف لاعبى الفريق عن لعب الكرة حتى ولو خارج النادى، وإستمر هذا الإيقاف الظالم لمدة 10 شهور.
حتى انفجرت جماهير النادي الأهلي وقامت مع لاعبى الفريق وتوجهت إلى قصر عابدين بمظاهرات غاضبة ضد الملك والانجليز وحيدر، تطالب برفع الإيقاف عن النادي الأهلي، حتى رضخ الملك وأمر حيدر برفع الإيقاف عن الأهلى، وهو ما رضخ له حيدر واصدر قراره برفع الإيقاف.
رسالة مختار التتش لحيدر باشا رئيس نادي الزمالك( المختلط، في ذلك الوقت):
"لقد بلغني قرار شطبي ضمن زملائي لذهابنا رحلة قومية في فلسطين، وإني لفخور بأن يشطب إسمي من إتحاد الكرة الذي يشرف عليه امثالك"
وبعد أن قرر حيدر باشا رجوع لاعبى النادي الأهلي للعب أمام المختلط (الزمالك)، وكان لابد للمباراة ان تقام، وأن يكون الأهلي طرفًا فيها، فقررت إدارة النادى الأهلي لأسباب قهرية لعب المباراة.
فلعب النادي الأهلي بلا أي مباراة أو تمرين لمدة 8 أشهر، وأغلب لاعبو الفريق كانوا غائبين؛ بسبب إيقافهم لذهابهم إلى فلسطين، وبدون مختار التتش وبعض اللاعبين الأساسيين، فكان طبيعيًا أن يخسر الأهلي 6-0،
وأعجب الملك بنادى المختلط (الزمالك)، وأصبح نادي فاروق بدلًا من المختلط، قبل أن يصبح نادي الزمالك.
إعتزال الوطني مختار التتش لعبة كرة القدم
وقرر مختار التتش
إعتزال كرة القدم، وهو في ذروة مجده عام 1940، وحاول الكثيرين من الرياضيين والصحفيين
والمشاهير إثناءه عن قراره، ولكنه فضل أن تبقى ذكراه وهو في أفضل حالاته.
بعد إعتزال التتش، مارس لعبة الهوكى كهواية، وأشرف على كرة القدم بـ النادي الأهلي، وتولى منصب سكرتير عام
اللجنة الأوليمبية المصرية من عام 1956 وحتى عام 1959.
وفى عام
1965، قام بتكريمه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ومنحه وسام الرياضة من الطبقة الأولى.
وقد توفي مختار التتش
في 21 فبراير عام 1965م، وقد سُمي ملعب النادي الأهلي بالجزيرة بملعب مختار التتش، تكريمًا لذكراه ودوره الكبير في رفع مستوى اللعبة في النادي الأهلي.
اقرأ ايضًا: كورة زمان| قذيفة أبوتريكة والهدف الذي «قتل أحلام مدينة بأكملها»