فيديو| في عبق الماضي "بوابة المواطن" ترتدي عباءة الطهطاوي بعد 145 عام من رحيله
الخميس 18/يناير/2018 - 05:09 م
أيمن احمد
طباعة
ولد العلامة "رفاعة بدوى رافع الطهطاوي" رائد النهضة الحديثة، بمدينة طهطا، شمال محافظة سوهاج بصعيد مصر، في 15 أكتوبر 1801 م، ونشأ بين أسرة طيبة تتسم بحب العلم والدين.
عاش رفاعة الطهطاوي في منزل من طابقين بمدينة طهطا، بني من الطوب الأحمر القديم ويكسوه اللون الأصفر، على مساحة تقارب 6 قراريط، ويحتوي الدور الأول على 8 غرف منها 2 صالون وصالة كبيرة، ومطبخ وغرفة سفرة ومكتب وغرف نوم للعمال وحمام، وبخلف المبنى حديقة كبيرة بها أشجار فواكهه مثل البرتقال واليوسفي والتين والجوافة وبعض أشجار الزينة ويتوسطها أريكة خشبية على نظام الارابيسك، وفى الطابق الثاني بعض الغرف الخاصة بالمعيشة بالأسرة مثل صالات وحمامات وغرف نوم ومطابخ وغيرهم والبالغ عددهم 9 غرف.
يقوم بعض العمال بالاهتمام بالمنزل وتنظيفه كل أسبوع، حيث يستقبل المنزل أحفاد الطهطاوي والذين يأتون كل عام إلى موطنهم الاصلى لقضاء بعض النزهة والتزاور مع الأصحاب والأقارب.
التحق الطهطاوي وهو في السادسة عشرة من عمره بالأزهر في عام 1817م، وشملت دراسته في الأزهر الشريف، الحديث والفقه والتفسير والنحو والصرف وغير ذلك، وفى الحادية والعشرين من عمره، التف حوله الطلبة يتلقون عنه علوم المنطق والحديث والبلاغة والعروض وخدم بعدها كإمام في الجيش النظامي الجديد عام 1824م.
سافر رفاعة إلى فرنسا، لأول مرة خارج مصر سنة 1826 م ضمن بعثة عددها 40 طالبًا أرسلها محمد علىّ، في 13 أبريل 1826 لدراسة اللغات والعلوم الأوروبية الحديثة، ودراسة العلوم والمعارف الإنسانية، وكان عمره حينها 24 عاما.
كان وراء سفر رفاعة الطهطاوي أستاذة العلامة "حسن العطار"، والذي جعله أيضا إماما للبعثة وواعظ لها، واجتهد الطهطاوي في تعلم اللغة الفرنسية، وبعد 5 سنوات، أدى رفاعة امتحان الترجمة، وقدَّم مخطوطة كتابه الذي نال بعد ذلك شهرة واسعة "تَخْلِيصُ الإِبْرِيزِ فيِ تَلْخِيصِ بَارِيز".
عاد رفاعة لمصر سنة 1831 م مفعمًا بالأمل منكبًّا على العمل فاشتغل بالترجمة في مدرسة الطب، ثُمَّ عمل على تطوير مناهج الدراسة في العلوم الطبيعية، وأفتتح سنة 1835م مدرسة الترجمة، التي صارت فيما بعد مدرسة الألسن وعُيـِّن مديرًا لها إلى جانب عمله مدرسًا بها.
وظل جهد رفاعة، يتنامى بين ترجمةً وتخطيطًا وإشرافًا على التعليم والصحافة، فأنشأ أقسامًا متخصِّصة للترجمة "الرياضيات - الطبيعيات - الإنسانيات"، وأنشأ مدرسة المحاسبة لدراسة الاقتصاد ومدرسة الإدارة لدراسة العلوم السياسية.
وإصدار جريدة "الوقائع المصرية "بالعربية بدلًا من التركية، هذا إلى جانب عشرين كتابًا من ترجمته، وعشرات غيرها أشرف على ترجمتها.
عندما تولى الخديوي عباس حكم مصر، أغلق مدرسة الألسن وأوقف أعمال الترجمة وقصر توزيع الوقائع على كبار رجال الدولة من الأتراك، ونفى رفاعة إلى السودان سنة 1850 م.
وفى منفاه لم يستسلم للهزيمة، وجاهد للرجوع إلى الوطن وهو الأمرُ الذي تيسَّر بعد موت الخديوي عباس، وتولى سعيد باشا، وكانت أربعة أعوام من النفي قد مرَّتْ عليه.
أنشأ الطهطاوي، مكاتب محو الأمية لنشر العلم بين الناس وعاود عمله في الترجمة، ما بين الأصالة والمعاصرة.
وفي عام 1861م، فُصل سعيد باشا الطهطاوي من عمله، وما أن توفى سعيد باشا وتولى الخديوي إسماعيل الحكم 1863 م فيعاود رفاعة العمل، فيشرف مرة أخرى وأخيرة على مكاتب التعليم، ويرأس إدارة الترجمة، ويصدر أول مجلة ثقافية في تاريخنا "رَوْضَةُ المَدَارِسِ".
أفتتح الطهطاوي في عهد "محمد على" مدرسة "الألسن" بالقاهرة، وعمل ناظرا لها، وكانت تضم في أول أمرها فصولًا لتدريس اللغة الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والتركية والفارسية، والهندسة والجبر والتاريخ والجغرافيا والشريعة الإسلامية، وتخرجت أول دفعة منها فى عام 1839 م، وكان 20 خريجا، وتم تزويد المدرسة بقسم لدراسة الإدارة الملكية العمومية وآخر لدراسة الإدارة الزراعية الخصوصية، وأيضا بقسم لدراسة الشريعة الإسلامية، وأصبحت بذلك مدرسة الألسن أشبه ما تكون بجامعة تضم كليات الآداب والحقوق والتجارة.
وكان رفاعة الطهطاوي، يقوم إلى جانب إدارته الفنية للمدرسة باختيار الكتب التي يترجمها تلاميذ المدرسة، ومراجعتها وإصلاح ترجمتها، وعندما تولى الخديوي عباس الأول أغلق تلك المدرسة التي كانت منارة للعلم وبعث بالطهطاوي إلى السودان لتولى نظارة مدرسة ابتدائية سيقوم بافتتاحها الخديوي عباس بالسودان،وذلك فى 1849 م.
وبعد وفاة عباس الأول سنة 1845م، عاد الطهطاوي إلى القاهرة، وأسندت إليه في عهد الوالي الجديد "سعيد باشا" عدة مناصب تربوية، فتولى نظارة المدرسة الحربية التي أنشأها سعيد لتخريج ضباط أركان حرب الجيش سنة 1856م، وقد عنى بها الطهطاوي عناية خاصة ساهمت فى الارتقاء بها.
سعى الطهطاوي إلى إنجاز أول مشروع لإحياء التراث العربي الإسلامي، ونجح في إقناع الحكومة بطبع عدة كتب من عيون التراث العربي على نفقتها، غير أن هذا النشاط الدءوب تعرض للتوقف سنة 1861م حيث خرج رفاعة من الخدمة، وألغيت مدرسة أركان الحرب، وظل عاطلًا عن العمل حتى تولى الخديوي إسماعيل الحكم سنة 1863م، فعاد رفاعة إلى ما كان عليه من عمل ونشاط، فأشرف على تدريس اللغة العربية بالمدارس، واختيار مدرسيها وتوجيههم، والكتب الدراسية المقررة، ورئاسة كثير من لجان امتحانات المدارس الأجنبية والمصرية.
ومن أبرز الأعمال التي قام بها رفاعة في عهد الخديوي إسماعيل نظارته لقلم الترجمة الذي أنشئ سنة 1863م لترجمة القوانين الفرنسية، وإصدار مجلة روضة المدارس سنة 1870م، وجعل منها منارة لتعليم الأمة ونشر الثقافة بين أبنائها.
وألف الطهطاوي، العديد من الكتب ومنها مؤلفه الشهير" تخليص الإبريز في تلخيص باريز "، و"مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية"، و"أنوار توفيق الجليل في أخبار مصر وتوثيق بني إسماعيل"، و"نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز"، وهو آخر كتاب ألفه الطهطاوي" وترجم أيضا 25 كتابا غير الذي أشرف على ترجمته.
جدير بالذكر أن الطهطاوي أحد رواد الفكر التنويري في مصر بعد فترة من الاضمحلال الفكري والتي عاشتها مصر في العصور المملوكية والعثمانية، مما أثر سلبا وبقوة على الفكر في مصر، فقد كان لاتصال الطهطاوي بالفكر المستنير أثر بالغ الأهمية في التواصل العلمي والفكري بين مصر وبين الفكر والعلم في الكثير من الدول في العالم وحركة الترجمة فيما بعد.
توفى الطهطاوي فى 27 مايو 1873م عن عمر يناهز 72 عام، حيث ترك ثروة كبيرة تقدر بـ 1600 فدان بموطنه طهطا والقاهرة، جمعها عن طريق الشراء والهدايا من الخديوي محمد على باشا والخديوي إسماعيل والخديوي سعيد، بالإضافة إلى احفاده والذين كان لهم باع سياسي فمنهم من عمل سفيرا لمصر بالخارج وأبرزهم السفير محمد رفاعة الطهطاوي سفير مصر فى ليبيا وإيران سابقا، ومنهم رجال أعمال وشخصيات بارزة ومحبوبة في المجتمع.