"رغيف مبلول" و"حبة ملح" طعام أسرة "مديحة" 15 عامًا
الثلاثاء 03/يوليو/2018 - 02:30 ص
أحمد حمدي
طباعة
"إحنا فعلا كلناها بملح".. كلمات تعبر عن الواقع المرير الذى تحياه سيدة وزوجها المسن، حيث قررا العيش معًا فى رحلة الحياة الطويلة، لكن معاناة المعيشة والظروف الصعبة التى قصمت ظهرهما كانت الأبرز في المشهد، فقد أصابهما المرض منذ زمن ولم يستطيعا أن يوفرا نفقة العلاج بأى شكل.
"مديحة" سيدة ستينية تسكن فى حرجة صغيرة اعتلاها التراب من كل جانب، وتفيح منها رائحة أشبه يالمقابر، اعتادت على هذا الجو منذ زمن، تحكي وعينيها تمتلئ بالدموع، فتقول:" دا حالنا كدا من سنين محدش سائل فينا أصلًا، عايشة انا وجوزي على اللى ربنا يرزقنا بيه، حد بيحن عليه بأكل بناخده فى سكات.. وبنفضل أيام بالجوع".
"المرض والفقر" كانا الأبرز فى حياة السيدة الستينية وزوجها المسكين، بدأت الحديث عن مهنتها التى اعتادت ان تعملها قرابة السنيتن أو الثلاث تضيف:" حاولت اشتغل فى حاجات كتير كان منها مثلا انى أبيع مناديل واسترزق بأى حاجة، أنا طول الوقت بحاول أساعد البيت باى حاجة لأن جوزى مريض ومش قادر يشتغل ويجري على حالنا زى زمان بعد مجاله المرض ومش قادرين على العلاج".
تتكون أسرة السيدة " مديحة" من 6 أفراد مسكنهم تلك الغرفة التى تكسوها الأتربة، وتغمرها كراكيب حوت ضروبًا من الحشرات، فتتعثر الأقدام من ضيق المكان، ومن نوم البعض على الأرض، بالاضافة للملابس المتناثرة فى جميع أنحاء الغرفة دون ترتيب تضيف:" ده حالنا من سنين ومحدش بيسأل فى حد، العين بصيرة والإيد قصيرة".
"نصيبنا نعيش كده"، بنبرة حزينة يخفق لها القلب وتدمع لها العينان، وتنصت لها الآذان تضيف: "جوز بنتي هو التانى طلع سئ السلوك لا يتحمل المسؤولية، تزوجها في غرفة تخلو من الأثاث ولم يكن له عمل دائم: "شوية عربجى وشوية سواق، بس قلت أسترها ومش مهم العفش، وفي الآخر طلع ندل وسابها ومنعرفش حاجة عنه من سنتين".
" مديحة" لم تتحمل متاعب الحياة وحدها فلم يكن مرض الزوج وحده كافٍ، لكن أثقل همومها زوج ابنتها"سحر"، الذى قرر ترك المنزل دون إخبارهم بذلك، فهو غير مستقر فى عمله، ويعمل حسب ما يحلو له، لا يرغب أبدًا فى المكوث داخل الغرفة، وكلما اختلى بزوجته انهال عليها ضربًا، تضيف:" هو كل اما يجي ونشوف يفضل يزعق مع بنتي طول الوقت، ومش عارفين نتعامل معاه إزاى، شوية يضربها، وشوية يسيب البيت ويمشي، بيجي البيت بمزاجه".
سرعان ما بدأت الطفلة الصغيرة بالبكاء باحثة عن الطعام، تلتفت الأم يمينًا ويسارًا لعلها تجد ما يسد جوع صغيرتها، لكن الدموع استبقتها وسالت على خديها أثر شعورها بالعجز، يمضي اليوم دون جديد والسيدة الستينية لا تغادر المكان، تقول:"مفيش فلوس نجيب لبن ليها ومش بترضى ترضع من أمها، بعد أن تمكن المرض من جسدها وأصابها بالعجز التام".
تستكمل: "بنقضيها وراضيين الحمد لله، عيش مبلول، وحبة ملح، نفسي الظروف تتحسن واقدر أجيب باب للأوضة بدل الباب الخشب المتكسر "رجلى اتكسحت وسدرى تاعبنى وبقالنا 15 سنة عايشين كده وعيالي كل واحد مكفي نفسه وكلهم أرزقية على باب الله".