الكاتب يحيى حقي.. عاشق ميدان السيدة زينب الذي عرف مصر على قنديل أم هاشم
الخميس 10/يناير/2019 - 12:31 م
يعد الأديب المبدع يحيى حقي رائد فن القصة القصيرة العربية؛ فهو أحد الرواد الأوائل لهذا الفن الذي يدين له بالكثير مما وصل إليه من نضج، وما بلغه من انتشار واسع، وقد خرج من تحت عباءة ذلك الرائد المبدع الذي كان يعمل في صمت ويكتب في هدوء كثير من الكتاب والمبدعين في العصر الحديث، وكانت له بصمات واضحة في أدب وإبداع العديد من أدباء الأجيال التالية.
ولد "يحيى محمد حقي" في 7 من يناير 1905م ونشأ في "درب الميضة" بحي "السيدة زينب"، وكانت عائلته ذات جذور تركية قديمة، وقد استوطنت مصر نحو عام 1865م
وشب "يحيى حقي" في جو مشبع بالأدب والثقافة، فقد كان كل أفراد أسرته يهتمون بالأدب مولعين بالقراءة، فخاله "حمزة بك" كان يشغل وظيفة رئيس القلم العربي في ديوان الخديو إسماعيل، وله نماذج من الإنشاء حواها كتاب "جواهر الأدب"، وعمه هو "محمود طاهر حقي" الذي امتلك في شبابه مجلة "الجريدة الأسبوعية"، وكان أحد رواد فن الرواية، وقد كتب عدة روايات منها: "عذراء دنشواي"، و"غادة جمانا".
أما والده "محمد حقي" فقد كان موظفًا بوزارة الأوقاف، وكان محبًا للقراءة والثقافة، وكان مشتركًا في عدد كبير من المجلات الأدبية والعلمية والثقافية، وكانت أمة كذلك حريصة على قراءة القرآن الكريم ومطالعة الكتب الدينية.
في هذا الجو الديني الذي يظله الحب ويشع فيه التفاهم وترفرف فيه السعادة نشأ "يحيى حقي" لتتشبع روحه ووجدانه بالقيم الدينية الأصيلة، وتتشرب بالأخلاق الفاضلة، والقيم الإنسانية النبيلة والمثل العليا.
وكان "يحيى حقي" ثالث سبعة إخوة: خمسة ذكور، وبنتان، وكان إخوته الذكور يحملون جميعًا أسماء أنبياء؛ فأكبرهم "إبراهيم" الذي بدأ حياته بالكتابة الأدبية في مجلة "السفور"، وثاني إخوته "إسماعيل" الذي عمل بالتدريس في بعض المعاهد المصرية وجامعة الملك سعود، وترجم كتبًا في الفلك والفضاء، ثم "زكريا" الذي عمل طبيبًا، و"موسى" الذي تخرج في كلية التجارة ثم حصل على ماجستير في السينما، أما الأختان فهما "فاطمة"، و"مريم".
في هذا الجو نشأ "يحيى حقي" متأثرًا بالأدب القديم والحديث، فقرأ لعدد كبير من أدباء العرب القدامى كالجاحظ وأبي العلاء، كما تأثر بعدد من الكتاب الغربيين مثل "فرجينيا وولف"، و"أناتول فرانس".
عمل "يحيى حقي" معاونًا للنيابة في الصعيد لمدة عامين من 1927م إلى 1928، وكانت تلك الفترة على قصرها أهم سنتين في حياته على الإطلاق، وهو يفسر ذلك بقوله: "أتيح لي أن أعرف بلادي وأهلها، وأخالط الفلاحين عن قرب، وأهمية هاتين السنتين ترجع إلى اتصالي المباشر بالطبيعة المصرية والحيوان والنبات، والاتصال المباشر بالفلاحين والتعرف على طباعهم وعاداتهم".
وقد انعكس ذلك على أدبه، فكانت كتاباته تتسم بالواقعية الشديدة وتعبر عن قضايا ومشكلات مجتمع الريف في الصعيد بصدق ووضوح، وظهر ذلك في عدد من أعماله القصصية مثل: "البوسطجي"، و"قصة في سجن"، و"أبو فروة".
كما كانت إقامته في الأحياء الشعبية من الأسباب التي جعلته يقترب من الحياة الشعبية البسيطة ويصورها ببراعة وإتقان، ويتفهم الروح المصرية ويصفها وصفًا دقيقًا وصادقًا في أعماله، وقد ظهر ذلك بوضوح في قصة "قنديل أم هاشم"، و"أم العواجز".
والتحق "يحيى حقي" بعد ذلك بالسلك الدبلوماسي، وقضى نحو خمسة عشر عامًا خارج مصر، وقد بدأ عمله الدبلوماسي في جدة، ثم انتقل إلى تركيا، ثم إلى روما، وعندما عاد إلى مصر إبان الحرب العالمية الثانية عين سكرتيرًا ثالثًا في الإدارة الاقتصادية لوزارة الخارجية، وظل بها نحو عشر سنين.
وفي تلك الفترة تزوج من السيدة "نبيلة" ابنة "عبد اللطيف بك سعودي" عضو مجلس النواب، وكان ذلك في ديسمبر 1943م
وبدخوله هذه الأسرة وجد "يحيى حقي" نفسه في غمار التاريخ، يقول: "دخلت في هذه الأسرة فإذا بي أدخل في بحر خضم لا شاطئ له من تاريخ مصر وأجيال مصر منذ حكم إسماعيل إلى الفترة التي أعيش فيها، تروى لي بأدق التفاصيل وبأدق الأسرار من حمايا المرحوم الأستاذ عبد اللطيف سعودي.. فكان لهذا الرجل فضل كبير علي في أنه بصرني بأشياء كثيرة لا يعلمها إلا هو في تاريخ مصر الحديث".
تعرضت السيدة "نبيلة" لمتاعب شديدة في شهور حملها الأخيرة، وكانت قد أصيبت في صغرها بحمى روماتيزمية، فأثرت عليها في شبابها، وقد نالت منها في شهور حملها؛ وهو ما أجهدها، خاصة وقد تبين إصابتها بالتهاب عضلة القلب الذي لم يكن له علاج، حتى ظهرت تباشير علاج جديد اسمه "البنسلين"، وكان علاجًا نادرًا يصعب الحصول عليه إلا عن طريق وزارة الخارجية أو قوات الحلفاء، كما أن سعره كان مرتفعًا للغاية، ولكن استطاع يحيى حقي –من خلال عمله بوزارة الخارجية- الحصول على هذا الدواء، ولكن بعد فوات الأوان، فقد وصلت حالة الزوجة إلى مرحلة حرجة خطيرة لا تستجيب معها للعلاج، وما لبثت الزوجة أن ماتت بعد أن وضعت مولودتها "نهى" بستة أشهر.
وبالرغم من زواج "يحيى حقي" من السيدة "جان" الإنجليزية بعد وفاة زوجته الأولى بفترة طويلة فإنه ظل يذكر تلك السيدة التي عرف معها السعادة ولم تجنِ غير الألم، وكان كلما تذكرها بكى بحزن وتأثر، وكأنها لم تمت إلا في تلك اللحظة.
كان "يحيى حقي" متواضعًا أشد ما يكون التواضع، عطوفًا على أصدقائه مخلصًا في صداقته لهم، وقد ربطته صداقات وطيدة بعدد كبير من أعلام عصره، من أجيال مختلفة واتجاهات متعددة، ولكن كان الحب دائمًا هو الرباط الذي يجمع بينهم، والأدب هو الصلة التي تضمهم، ومن هؤلاء: محمود محمد شاكر، وعثمان عسل، ومحمد عصمت، وفؤاد دوارة، ومصطفى ماهر، وعطية أبو النجا، ونعيم عطية، وسامي فريد، وسمير وهبي، وأحمد تيمور وغيرهم.
وكان شاكر من أكثرهم قربًا منه فقد عرفه منذ عام 1939م واستمرت صداقتهما لأكثر من (53) عامًا، فقد كان لشاكر أكبر الأثر في الارتقاء بلغة يحيى حقي، وتحويله من رجل تتعثر يده لم يتعمق علمه بالعربية إلى ذلك الأديب المبدع الذي تشي كتاباته بأسرار العربية في تمكن واقتدار
وبالرغم من قلة الأعمال القصصية ليحيى حقي فإنه يعد بحق هو الرائد الأول لفن القصة القصيرة، كما أثرى فن اللوحة الأدبية في مقالاته الأدبية العديدة التي لا تقل فنًا وبراعة عن القصة.
وقد صدرت الأعمال الكاملة ليحيى حقي في (28) مجلدًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وقام بإعدادها ومراجعتها الناقد "فؤاد دوارة".
وقد ترجمت بعض قصصه إلى الفرنسية، فترجم "شارل فيال" قصة "قنديل أم هاشم"، وترجم "سيد عطية أبو النجا" قصة "البوسطجي"، وقدمت تلك القصة الأخيرة في السينما وفازت بعدد كبير من الجوائز.
ومن أشهر أعمال "يحيى حقي": مجموعته القصصية "دماء وطين"، و"قنديل أم هاشم"، و"يا ليل يا عين"، و"أم العواجز"، و"خليها على الله"، و"عطر الأحباب"، و"تعالى معي إلى الكونسير"، و"كناسة الدكان" و"صحي النوم".
وتوفي "يحيى حقي" في مثل هذا اليوم 9 ديسمبر من عام 1992 م عن عمر بلغ سبعًا وثمانين سنة، بعد رحلة معاناة مع المرض، ولكنه كان دائمًا ثابت الجنان راضيًا مستسلمًا لقضاء الله.
ولد "يحيى محمد حقي" في 7 من يناير 1905م ونشأ في "درب الميضة" بحي "السيدة زينب"، وكانت عائلته ذات جذور تركية قديمة، وقد استوطنت مصر نحو عام 1865م
وشب "يحيى حقي" في جو مشبع بالأدب والثقافة، فقد كان كل أفراد أسرته يهتمون بالأدب مولعين بالقراءة، فخاله "حمزة بك" كان يشغل وظيفة رئيس القلم العربي في ديوان الخديو إسماعيل، وله نماذج من الإنشاء حواها كتاب "جواهر الأدب"، وعمه هو "محمود طاهر حقي" الذي امتلك في شبابه مجلة "الجريدة الأسبوعية"، وكان أحد رواد فن الرواية، وقد كتب عدة روايات منها: "عذراء دنشواي"، و"غادة جمانا".
أما والده "محمد حقي" فقد كان موظفًا بوزارة الأوقاف، وكان محبًا للقراءة والثقافة، وكان مشتركًا في عدد كبير من المجلات الأدبية والعلمية والثقافية، وكانت أمة كذلك حريصة على قراءة القرآن الكريم ومطالعة الكتب الدينية.
في هذا الجو الديني الذي يظله الحب ويشع فيه التفاهم وترفرف فيه السعادة نشأ "يحيى حقي" لتتشبع روحه ووجدانه بالقيم الدينية الأصيلة، وتتشرب بالأخلاق الفاضلة، والقيم الإنسانية النبيلة والمثل العليا.
وكان "يحيى حقي" ثالث سبعة إخوة: خمسة ذكور، وبنتان، وكان إخوته الذكور يحملون جميعًا أسماء أنبياء؛ فأكبرهم "إبراهيم" الذي بدأ حياته بالكتابة الأدبية في مجلة "السفور"، وثاني إخوته "إسماعيل" الذي عمل بالتدريس في بعض المعاهد المصرية وجامعة الملك سعود، وترجم كتبًا في الفلك والفضاء، ثم "زكريا" الذي عمل طبيبًا، و"موسى" الذي تخرج في كلية التجارة ثم حصل على ماجستير في السينما، أما الأختان فهما "فاطمة"، و"مريم".
في هذا الجو نشأ "يحيى حقي" متأثرًا بالأدب القديم والحديث، فقرأ لعدد كبير من أدباء العرب القدامى كالجاحظ وأبي العلاء، كما تأثر بعدد من الكتاب الغربيين مثل "فرجينيا وولف"، و"أناتول فرانس".
عمل "يحيى حقي" معاونًا للنيابة في الصعيد لمدة عامين من 1927م إلى 1928، وكانت تلك الفترة على قصرها أهم سنتين في حياته على الإطلاق، وهو يفسر ذلك بقوله: "أتيح لي أن أعرف بلادي وأهلها، وأخالط الفلاحين عن قرب، وأهمية هاتين السنتين ترجع إلى اتصالي المباشر بالطبيعة المصرية والحيوان والنبات، والاتصال المباشر بالفلاحين والتعرف على طباعهم وعاداتهم".
وقد انعكس ذلك على أدبه، فكانت كتاباته تتسم بالواقعية الشديدة وتعبر عن قضايا ومشكلات مجتمع الريف في الصعيد بصدق ووضوح، وظهر ذلك في عدد من أعماله القصصية مثل: "البوسطجي"، و"قصة في سجن"، و"أبو فروة".
كما كانت إقامته في الأحياء الشعبية من الأسباب التي جعلته يقترب من الحياة الشعبية البسيطة ويصورها ببراعة وإتقان، ويتفهم الروح المصرية ويصفها وصفًا دقيقًا وصادقًا في أعماله، وقد ظهر ذلك بوضوح في قصة "قنديل أم هاشم"، و"أم العواجز".
والتحق "يحيى حقي" بعد ذلك بالسلك الدبلوماسي، وقضى نحو خمسة عشر عامًا خارج مصر، وقد بدأ عمله الدبلوماسي في جدة، ثم انتقل إلى تركيا، ثم إلى روما، وعندما عاد إلى مصر إبان الحرب العالمية الثانية عين سكرتيرًا ثالثًا في الإدارة الاقتصادية لوزارة الخارجية، وظل بها نحو عشر سنين.
وفي تلك الفترة تزوج من السيدة "نبيلة" ابنة "عبد اللطيف بك سعودي" عضو مجلس النواب، وكان ذلك في ديسمبر 1943م
وبدخوله هذه الأسرة وجد "يحيى حقي" نفسه في غمار التاريخ، يقول: "دخلت في هذه الأسرة فإذا بي أدخل في بحر خضم لا شاطئ له من تاريخ مصر وأجيال مصر منذ حكم إسماعيل إلى الفترة التي أعيش فيها، تروى لي بأدق التفاصيل وبأدق الأسرار من حمايا المرحوم الأستاذ عبد اللطيف سعودي.. فكان لهذا الرجل فضل كبير علي في أنه بصرني بأشياء كثيرة لا يعلمها إلا هو في تاريخ مصر الحديث".
تعرضت السيدة "نبيلة" لمتاعب شديدة في شهور حملها الأخيرة، وكانت قد أصيبت في صغرها بحمى روماتيزمية، فأثرت عليها في شبابها، وقد نالت منها في شهور حملها؛ وهو ما أجهدها، خاصة وقد تبين إصابتها بالتهاب عضلة القلب الذي لم يكن له علاج، حتى ظهرت تباشير علاج جديد اسمه "البنسلين"، وكان علاجًا نادرًا يصعب الحصول عليه إلا عن طريق وزارة الخارجية أو قوات الحلفاء، كما أن سعره كان مرتفعًا للغاية، ولكن استطاع يحيى حقي –من خلال عمله بوزارة الخارجية- الحصول على هذا الدواء، ولكن بعد فوات الأوان، فقد وصلت حالة الزوجة إلى مرحلة حرجة خطيرة لا تستجيب معها للعلاج، وما لبثت الزوجة أن ماتت بعد أن وضعت مولودتها "نهى" بستة أشهر.
وبالرغم من زواج "يحيى حقي" من السيدة "جان" الإنجليزية بعد وفاة زوجته الأولى بفترة طويلة فإنه ظل يذكر تلك السيدة التي عرف معها السعادة ولم تجنِ غير الألم، وكان كلما تذكرها بكى بحزن وتأثر، وكأنها لم تمت إلا في تلك اللحظة.
كان "يحيى حقي" متواضعًا أشد ما يكون التواضع، عطوفًا على أصدقائه مخلصًا في صداقته لهم، وقد ربطته صداقات وطيدة بعدد كبير من أعلام عصره، من أجيال مختلفة واتجاهات متعددة، ولكن كان الحب دائمًا هو الرباط الذي يجمع بينهم، والأدب هو الصلة التي تضمهم، ومن هؤلاء: محمود محمد شاكر، وعثمان عسل، ومحمد عصمت، وفؤاد دوارة، ومصطفى ماهر، وعطية أبو النجا، ونعيم عطية، وسامي فريد، وسمير وهبي، وأحمد تيمور وغيرهم.
وكان شاكر من أكثرهم قربًا منه فقد عرفه منذ عام 1939م واستمرت صداقتهما لأكثر من (53) عامًا، فقد كان لشاكر أكبر الأثر في الارتقاء بلغة يحيى حقي، وتحويله من رجل تتعثر يده لم يتعمق علمه بالعربية إلى ذلك الأديب المبدع الذي تشي كتاباته بأسرار العربية في تمكن واقتدار
وبالرغم من قلة الأعمال القصصية ليحيى حقي فإنه يعد بحق هو الرائد الأول لفن القصة القصيرة، كما أثرى فن اللوحة الأدبية في مقالاته الأدبية العديدة التي لا تقل فنًا وبراعة عن القصة.
وقد صدرت الأعمال الكاملة ليحيى حقي في (28) مجلدًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وقام بإعدادها ومراجعتها الناقد "فؤاد دوارة".
وقد ترجمت بعض قصصه إلى الفرنسية، فترجم "شارل فيال" قصة "قنديل أم هاشم"، وترجم "سيد عطية أبو النجا" قصة "البوسطجي"، وقدمت تلك القصة الأخيرة في السينما وفازت بعدد كبير من الجوائز.
ومن أشهر أعمال "يحيى حقي": مجموعته القصصية "دماء وطين"، و"قنديل أم هاشم"، و"يا ليل يا عين"، و"أم العواجز"، و"خليها على الله"، و"عطر الأحباب"، و"تعالى معي إلى الكونسير"، و"كناسة الدكان" و"صحي النوم".
وتوفي "يحيى حقي" في مثل هذا اليوم 9 ديسمبر من عام 1992 م عن عمر بلغ سبعًا وثمانين سنة، بعد رحلة معاناة مع المرض، ولكنه كان دائمًا ثابت الجنان راضيًا مستسلمًا لقضاء الله.