يظهر عليه شقى الحياة عافر بين أضلعها كي يشق طريق رزقه ويحفر رحلة كفاح طويلة أراد من خلالها أن يتعلم خبايا مهنة رُسِمت متاعبها على وجهه.

بابتسامة مريحة ووجه ضاحك كانت بداية الحديث مع عم "على البحار" البالغ من العمر 67 عامًأ، والمنزلق من محافظة المنيا إحدى محافظات صعيد مصر، والذى سرد تفاصيل يومه فى عرض النيل ذهابا وإيابًا قائلًا:"جيت القاهرة سنة 1960 وبدأت رحلتي مع الصيد عمومًا.. بصحى الصبح بدري قبل الفجر يوميًا أقوم اتوضا وأنزل اصلى وبعدين اقرأ شوية قراءن عشان ربنا يفتح علينا وببدأ استعد للنزول مع ابني ونركب القارب بتاعنا الصغير ده وبفضل فى البحر اصطاد سمك بالشباك الكبيرة اللى هناك ده لحد آخر النهار وبروح على أذان العشاء..أوقات بصراحة ببات فى المركب لما بكون الجو حلو وكويس لكن لو الجو برد اوى فى الشتاء بروح البيت وبنزل الشغل بتاعى الصبح".

كافح بين الجزر النيلية أعوامًا مديدة عاش من خلالها فى قاربه الصغير مع أولاده كى يورثهم المهنة وخباياها قائلًا:" منذ الطفولة وأنا فى المهنة دى بحبها وبعشق النيل بحاول أخد ولادي عشان يفهموها ويتعلموها مع الوقت".

وتابع:"عاصرت كل رؤساء الجمهوريات من أول جمال عبد لناصر لحد دلوقتي..النيل هو النيل لم يتغير بحب المية جدا.. والتعامل جوه بين الجزر أحضان المياة دفء وهدوء وراحة لا توصف".

ووعن مشاكل المهنة قال "البحار": "النيل عيبه الوحيد انه مليان جزر كتير والمصيبة الأكبر إن فى ناس بيعتبروا نفسهم صحابها بيفرضوا إتاوات علينا إحنا من وقت للتاني أوقات بتكون الضريبة غالية وأوقات بسيطة على حسب الرزق، بيسألوا الواحد فينا مكسبك كام ويحاول ياخد منك النص وده مينفعش لانه بيكون تعب طول النهار وشقيان عليه ".

واستكمل قائلًا:"بضطر أدفع عشان أعيش ويكمل يومي على خير، ساعات يا أستاذ بدفع 30 جنيه وساعات 100 جنيه والله على حسب أنا كسبت كام وطلعلى كام فى يومي".

لم تتوقف مشاكله عند الجزر النيلية بل امتدت لضياع حقه فى المعاش؛ قائلًا:"كمان فى مشكلة بسيطة وهى إنى بجري على معاش وتأمين ليا بقالى فترة ومحدش ساءل فينا، رحت وزارة التضامن أكتر من مرة وبعدين مفيش فايدة رحت مصلحة الجوازات جايز هناك يفيدوني بحاجة.. ولحد دلوقتي مفيش جديد.. بناطلب بس بحقوقنا بالتأمينات على العمالة غير المنظمة".

بنبرة يملؤها الحزن على حال الثروة السمكية يضيف:"أصحاب المزارع بياخدوا فلوس تحت بند تنمية الثروة غير الإتاوة على الزريعة وبيبعوها تاني ايه الفايدة".

وعن مكسبه فى مهنة الصيد أعتبر أن الأرزاق بيد الله، مضيفا:"بكسب 200 جنيه لما تكون الدنيا هادية وجميلة".. وساعات ربنا بيكرم وبتوصل لـ 500 جنيه بالمصاريف.. وكله على الله"

ووجه "البحار" رسالة قوية لكل الأجيال قائلًا:"رسالتي لكل مصري يحافظ على تراب بلده لأن مصر غالية علينا..وربنا يحفظ مصر".