بالصور.. رحلة تحت الأنقاض تسرد معاناة مجهولين دفنوا بالحياة.. بطلها "عم رمضان" و9 أبناء
السبت 19/نوفمبر/2016 - 12:36 ص
فاطمة أبو الوفا
طباعة
سلالم محدودة تقودهم إلى عالم سفلي أشبه بجحر الفئران، يغيبون فيه عن أهل الأرض، فتتلاشي السماء من أمام أعينهم تدريجيًا ليستقبلهم ظلام دامس يرافقهم نهارًا وليلًا، بعد أن حُرموا من التمتع بأشعة الشمس ونسمات الهواء الطلق، يرافقهم عدو ذو رائحة كريهة يُدعي "المجاري"، تطل شرفتهم الصغيرة على أقدام المارة الذاهبة والعائدة حتى سئموا رؤيتها، يسيرون في حذر حتى لا تصطدم رؤوسهم بالسقف المنخفض الذي أصابهم بـ"وسواس الموت" خشية من سقوطه فوقهم، تفاصيل كثيرة اختبأت في "بدروم صغير"، ظن البعض أنه ملاذ مؤقت لبواب العمارة أو يُستخدم كمخزن لبعض الأشياء، لكن الواقع الذي لا يدركه البعض، أن هذا المكان المخيف تعيش فيه أسر بأكملها يمارسون حياتهم كسائر البشر، بعضهم نجح في التأقلم مع الوضع والبعض الآخر صار ضحيته.
على بعد أمتار قليلة من محطة "كوبري القبة" يجلس عم "رمضان" على أريكة بالية وضعت على الرصيف يستنشق نسمات الهواء كمن يعاني من ضيق في التنفس، وعلى الرصيف المجاور له أفترش أحد بنائه الأرض ليهيأ نفسه للنوم غارقًا في ثباتً عميق، دقائق معدودة مضت وعاد الرجل الخمسيني أدراجه، ودلف إلى "البدروم" الذي قضي فيه 38 عامًا بعد أن حُرم من ميراث والدته وصار بمفرده:" اتجوزت من سنة في شقة بالإيجار ولما زاد عليا سيبتها وسكنت في البدروم، شغال نجار مسلح بس الشغل قل وكمان صحتي اتدهورت خالص، خلفت 9 عيال الحمد لله، واحد منهم مات من السرطان وعنده 14 سنة، وبعدها بـ55 يوم مراتي ماتت من نفس المرض"، هدوء تام يخيم على "البدروم" ينم عن غياب أبناء عم "رمضان" بعضهم ذهب لزيارة الأقارب وآخرون لا يعلم عنهم شيئًا، أما الإناث فقد ذهبوا للتنزه.
"كل واحد في عيالي بيفكر في نفسه، جوزت ولد وبنتين والباقين معايا، البنات بيخرجوا يغيروا جو، والصبيان كل واحد مستقل بنفسه، وكلهم ارزاقية يوم شغل و10 لأ"، حزن شديد يخيم على أرجاء البدروم سطره الرجل الخمسيني على صفحات نُقشت عليها كلمات مؤلمة:" من يوم ما ابني ومراتي ماتوا والخير راح معاهم لا عارف اعيش ولا أضحك ومليش نفس لأي حاجة" ظروف مادية واجتماعية قاسية نشأ فيها أبناء عم "رمضان" فكانت سببًا في حرمانهم من التعليم:" كلهم اتعلموا لحد 6 ابتدائي وخرجوا علشان الظروف وحشة"، نبرة حزينة يتحدث بها، تنم عن أحلام كثيرة رسمها في ذهنه لكن الفشل كان حليفه:"لما أمهم ماتت قولتلهم أنا بقيت الأب والأم ليكم خلاص، طبعا مش مستوعبين الكلام لأن الدنيا لسه لا شالت ولا حطيت فيهم، كنت بحلم دايمًا بشقة حلوة وأني مخلفش عيال كتيرة، بس علشان أنا وحيد أبويا، أمي كانت تقولي هات عيال كتيرة دول عزوة ودي النتيجة، لا اتعلموا ولا اشتغلوا ولا عارف أجوزهم ".
ديون كثيرة تراكمت على عم "رمضان" بعد أن وصل به الحال إلي الاستدانة لتوفير الطعام لأسرته، ويضيف:" إيجار البدروم 5 جنيه في الشهر مدفعتهوش بقالي 4 سنين، وأمي قاعدة في الشارع اللى ورايا في بيت، عيالها من جوزها التاني معاها وأنا اللي متبهدل هنا أنا وعيالي، بس مش عاوز حاجة منها"، معاناة شديدة يتكبدها الرجل الخمسيني داخل البدروم، تبدأ بـ"المجاري" التي يستغرق ساعاتً طويلة في التخلص منها برفقة بناته، وتنتهي بصراع طويل مع النوم لكونهم لا يملكون سوى سرير واحد:" لما المجاري بتفطح علينا بنجيب ردم ونحطه على الأرض لحد بقيت عاليه وبنمشي موطين دماغنا بدل ما تتخبط في السقف وساعات مش باخد بالي وكذا مرة دماغي تتفتح، واتسرقنا كتير علشان مفيش كالون للباب، واحدة دخلت قالت للبنات هدخل الحمام وشممتهم وخدت الدهب بتاعهم، وبقيت مديون لأجواز بناتي الاتنين".
يؤكد عم "رمضان" أن أسرته بأكملها عجزت عن التأقلم على أجواء البدروم، رغم المدة الطويلة التي قضوها داخله:" مش قادرين نتعود على العيشة دي لأنها صعبة فوق الوصف، لو فيه إمكانية لشقة تانية كنت مشيت لأن دي عيشة محدش يستحملها، أنا مقصرتش في حاجة وربنا العالم إن الظروف جت كده مخطبة معايا، والفلوس اللى كنت بكسبها على قد أكل العيال"، بقعد أغلب الوقت في الشارع لاني مبقتش أطيق المكان بعد ما ابنى ومراتى ماتوا، كل واحد في عيالى عايش حياته وملهمش دعوة بيا".
يتحدث عن أبنائه وعلامات الأسى تبدو عليه:" الكبير اسمه وليد 34 سنة متجوز ومخلف وشغال نقاش، مش بيعرفني غير لما مش بيكون معاه فلوس، ندرين، خالي اللي راح سجلها كتبوها ندرين بدل نسرين، عندها 32 سنة ومتجوزة واحد على قد حاله الظروف، عمرو 31 سنة متدين شوية وحافظ القران كله مع انه مكملش تعليمه، مش شغال واكتر واحد مطلع عيني في اخواته، اشتغل كل حاجة ومش بيكمل في ولا شغلانة، سمرة 28 سنة متجوزتش وشوية تشتغل وشوية لأ، مش عارف أجهزها خالص ومتعقدة من ساعة ما اختها الصغيرة اتجوزت، سوزان18 سنة، مكتوب كتابها جوزها معاه توك توك شغال عليه بقالها 6 شهور، سارة، 20 سنة، دى اتجوزت وجوزها اللى جاب كل حاجة وأنا ساعات بحاجات بسيطة بس مديون بيها طبعا، وشرط عليا انى اجهز اخته بالحاجات اللى هو جابها، محمد ده قاعد في البلد على طول بيدور على اكل عيشه هناك قاعد مع أهل أمه، عنده 28 سنة، رضوى في 4 ابتدائي ودي حلم عمري أعلمها وتبقى حاجة كبيرة، اعمل اللى مقدرتش اعمله مع أخواتها، وعبد الرحمن اللي جاله سرطان وربنا أفتكره".
على بعد أمتار قليلة من محطة "كوبري القبة" يجلس عم "رمضان" على أريكة بالية وضعت على الرصيف يستنشق نسمات الهواء كمن يعاني من ضيق في التنفس، وعلى الرصيف المجاور له أفترش أحد بنائه الأرض ليهيأ نفسه للنوم غارقًا في ثباتً عميق، دقائق معدودة مضت وعاد الرجل الخمسيني أدراجه، ودلف إلى "البدروم" الذي قضي فيه 38 عامًا بعد أن حُرم من ميراث والدته وصار بمفرده:" اتجوزت من سنة في شقة بالإيجار ولما زاد عليا سيبتها وسكنت في البدروم، شغال نجار مسلح بس الشغل قل وكمان صحتي اتدهورت خالص، خلفت 9 عيال الحمد لله، واحد منهم مات من السرطان وعنده 14 سنة، وبعدها بـ55 يوم مراتي ماتت من نفس المرض"، هدوء تام يخيم على "البدروم" ينم عن غياب أبناء عم "رمضان" بعضهم ذهب لزيارة الأقارب وآخرون لا يعلم عنهم شيئًا، أما الإناث فقد ذهبوا للتنزه.
"كل واحد في عيالي بيفكر في نفسه، جوزت ولد وبنتين والباقين معايا، البنات بيخرجوا يغيروا جو، والصبيان كل واحد مستقل بنفسه، وكلهم ارزاقية يوم شغل و10 لأ"، حزن شديد يخيم على أرجاء البدروم سطره الرجل الخمسيني على صفحات نُقشت عليها كلمات مؤلمة:" من يوم ما ابني ومراتي ماتوا والخير راح معاهم لا عارف اعيش ولا أضحك ومليش نفس لأي حاجة" ظروف مادية واجتماعية قاسية نشأ فيها أبناء عم "رمضان" فكانت سببًا في حرمانهم من التعليم:" كلهم اتعلموا لحد 6 ابتدائي وخرجوا علشان الظروف وحشة"، نبرة حزينة يتحدث بها، تنم عن أحلام كثيرة رسمها في ذهنه لكن الفشل كان حليفه:"لما أمهم ماتت قولتلهم أنا بقيت الأب والأم ليكم خلاص، طبعا مش مستوعبين الكلام لأن الدنيا لسه لا شالت ولا حطيت فيهم، كنت بحلم دايمًا بشقة حلوة وأني مخلفش عيال كتيرة، بس علشان أنا وحيد أبويا، أمي كانت تقولي هات عيال كتيرة دول عزوة ودي النتيجة، لا اتعلموا ولا اشتغلوا ولا عارف أجوزهم ".
ديون كثيرة تراكمت على عم "رمضان" بعد أن وصل به الحال إلي الاستدانة لتوفير الطعام لأسرته، ويضيف:" إيجار البدروم 5 جنيه في الشهر مدفعتهوش بقالي 4 سنين، وأمي قاعدة في الشارع اللى ورايا في بيت، عيالها من جوزها التاني معاها وأنا اللي متبهدل هنا أنا وعيالي، بس مش عاوز حاجة منها"، معاناة شديدة يتكبدها الرجل الخمسيني داخل البدروم، تبدأ بـ"المجاري" التي يستغرق ساعاتً طويلة في التخلص منها برفقة بناته، وتنتهي بصراع طويل مع النوم لكونهم لا يملكون سوى سرير واحد:" لما المجاري بتفطح علينا بنجيب ردم ونحطه على الأرض لحد بقيت عاليه وبنمشي موطين دماغنا بدل ما تتخبط في السقف وساعات مش باخد بالي وكذا مرة دماغي تتفتح، واتسرقنا كتير علشان مفيش كالون للباب، واحدة دخلت قالت للبنات هدخل الحمام وشممتهم وخدت الدهب بتاعهم، وبقيت مديون لأجواز بناتي الاتنين".
يؤكد عم "رمضان" أن أسرته بأكملها عجزت عن التأقلم على أجواء البدروم، رغم المدة الطويلة التي قضوها داخله:" مش قادرين نتعود على العيشة دي لأنها صعبة فوق الوصف، لو فيه إمكانية لشقة تانية كنت مشيت لأن دي عيشة محدش يستحملها، أنا مقصرتش في حاجة وربنا العالم إن الظروف جت كده مخطبة معايا، والفلوس اللى كنت بكسبها على قد أكل العيال"، بقعد أغلب الوقت في الشارع لاني مبقتش أطيق المكان بعد ما ابنى ومراتى ماتوا، كل واحد في عيالى عايش حياته وملهمش دعوة بيا".
يتحدث عن أبنائه وعلامات الأسى تبدو عليه:" الكبير اسمه وليد 34 سنة متجوز ومخلف وشغال نقاش، مش بيعرفني غير لما مش بيكون معاه فلوس، ندرين، خالي اللي راح سجلها كتبوها ندرين بدل نسرين، عندها 32 سنة ومتجوزة واحد على قد حاله الظروف، عمرو 31 سنة متدين شوية وحافظ القران كله مع انه مكملش تعليمه، مش شغال واكتر واحد مطلع عيني في اخواته، اشتغل كل حاجة ومش بيكمل في ولا شغلانة، سمرة 28 سنة متجوزتش وشوية تشتغل وشوية لأ، مش عارف أجهزها خالص ومتعقدة من ساعة ما اختها الصغيرة اتجوزت، سوزان18 سنة، مكتوب كتابها جوزها معاه توك توك شغال عليه بقالها 6 شهور، سارة، 20 سنة، دى اتجوزت وجوزها اللى جاب كل حاجة وأنا ساعات بحاجات بسيطة بس مديون بيها طبعا، وشرط عليا انى اجهز اخته بالحاجات اللى هو جابها، محمد ده قاعد في البلد على طول بيدور على اكل عيشه هناك قاعد مع أهل أمه، عنده 28 سنة، رضوى في 4 ابتدائي ودي حلم عمري أعلمها وتبقى حاجة كبيرة، اعمل اللى مقدرتش اعمله مع أخواتها، وعبد الرحمن اللي جاله سرطان وربنا أفتكره".